مرت عدة أيام وولاء تترقب اليوم الذي ستنتقل فيه نوبتها الى قسم الرعاية الفائقة فلا زالت القصة تسيطر على مشاعرها وعقلها ولن تهدأ حتى تعرفها كاملة, لكنها عرفت أن عم محمد قد تحسنت حالته وانتقل الى غرفة عادية في الدور الأول, واليوم هى سعيدة للغاية, فنوبتها ستكون في نفس الدور الذى انتقل اليه عم محمد
لكن كانت لديها فكرة أخرى تلح عليها جعلتها تذهب الى المستشفى بعد أن أنهت دراستها فى الجامعة ذلك اليوم بالذات وتنتظر عدة ساعات فى المستشفى قبل أن تبدأ موعد نوبتها
كانت الفكرة التى تلح عليها هى رؤية فاطمة , وتحقق لها ما أرادت بالفعل, فعندما وصلت الى القسم لتجد زميلتها نجوى تجلس خلف مكتب الإستقبال والتى قالت بدهشة عندما رأتها : ماذا حدث؟ ما الذى أتى بك مبكرا, لازالت هناك ثلاث ساعات قبل انتهاء نوبتى
قالت ببساطة : أنهيت محاضراتى وليس لدى شئ أفعله فقررت المجئ الآن
نجوى : يراودني شعور بأن لديكى أسبابا أخرى أتت بك الآن
قالت ولاء : شئ من هذا القبيل
أخبرينى, كيف حال عم محمد؟
نجوى : يتحسن بالعلاج
ثم هتفت : ذكرتيني, انه موعد تناوله العلاج
هتفت ولاء : انتظري, دعيني أقوم عنك بهذه المهمة
نجوى بشك : ألم أقل لكي أن ما أتى بك الآن هو شئ نبت في عقلك!
ولاء : لاتتذاكى كثيرا يا أختاه, كل مافي الأمر أنني أتعاطف معه
نجوى : أو أن لديه قصة مشوقة تضميها الى مجموعتك
ولاء ساخرة : ياللذكاء الخارق, أعطيني العلاج وكفى مضيعة للوقت
دخلت ولاء غرفة عم محمد بحماس وقالت بود : السلام عليكم, كيف حالك اليوم يا عم محمد؟ عسى أن تكون بخير
رد بود مماثل : الحمد لله, ولكن أين نجوى
قالت بابتسامة واسعة : أنا زميلتها ولاء, لقد أوصتنى نجوى أن أهتم بك, فأنت بركة المكان
عم محمد : جزاكم الله خيرا, الحقيقة أن الخدمة هنا ممتازة, والمعاملة فوق الوصف
كانت ولاء تستمع اليه وعينيها تدوران في المكان, وأصيبت ببعض الإحباط عندما وجدته وحيدا, لكنها قالت ولهجة الود لم تغادر صوتها : دواؤك يا عم محمد بالشفاء والعافية
انتهى من تناول الدواء وأخذت ولاء تتباطأ في المكان علها ترى من جاءت لرؤيتها, فقامت بقياس نبضه ثم الحرارة, وبعدها ضغط الدم, وبدأ الوقت يطول وتنفذ حيلها ولم تظهر فاطمة بعد
أخذت أدواتها وهمت بالمغادرة لكنها قالت : أخبرني يا عم محمد, هل كل شئ على ما يرام؟ أهناك شئ يضايقك هنا؟
قال باسما : الحمد لله, الجميع هنا لم يقصروا, يؤدون واجبهم كأفضل ما يكون
قالت محاولة ايجاد مبرر لوجودها : ولكني أراك مهموما حزينا, أهناك مايضايقك؟
تنهد بأسى : تلك هى الحياة, لا فرح يدوم ولا حزن يدوم
قالت بتعاطف : عافاك الله وأبعد عنك الأحزان ومتعك بالصحة والعافية
سأكون هنا طوال الليل ان احتجت لشئ فقط اضرب الجرس
قال بامتنان : شكرا يا بنيتى
التفت لتخرج من الباب لكن قبل أن تفتحه فتح من الخارج, لتجد ولاء نفسها أمام سيدة تغطى وجهها بنقاب حيتهما قائلة : السلام عليكم
ردت ولاء السلام بابتسامة واسعة وأخذت طريقها للخروج
واتجهت السيدة الى سرير عم محمد وقالت بلهفة : كيف حالك يا جدى؟
كانت ولاء تتميز غيظا, فاللتى انتظرتها كل هذا الوقت لم تأتى الا وهى مغادرة, ولا بد لها أن تغادر قبل أن تلفت اليها الأنظار
طقت فى رأسها فكرة , وبسرعة وضعتها قيد التنفيذ, ألقت ببعض الأشياء التى فى يدها أرضا كما لو كانت أسقطتها عن دون قصد
انحنت بسرعة تلملم ما سقط منها وهى تلتفت لهما وتقول بابتسامة بريئة : معذرة
أخذت تتلكأ وهى تلملم الأشياء التى تبعثرت وعينيها على الرجل والسيدة بعد أن اندمجا فى الحديث ونسيا وجودها
وجاءت اللحظة التى انتظرتها طويلا, فقد مدت السيدة يدها ورفعت نقابها أخيرا, وتجمدت ولاء للحظات وهى تنظر فى وجه السيدة الشابة, لكنها تذكرت أن عليها الرحيل فحملت أشياءها وغادرت الغرفة بسرعة
انتهى موعد الزيارات بالمستشفى ورأت ولاء السيدة وهى تغادر المستشفى
لم تكن تدرى ماسر ذلك الشغف الذى سيطر عليها والفضول نحو تلك السيدة وذلك الشيخ, كانت تشعر أن هناك قصة قوية خلف هذا الثنائى
هدأت المستشفى بعد رحيل الزائرين, وانصراف أغلب العاملين فيها, واستقرار العاملين فى النوبة الليلية فى أماكنهم
وبدأ ذهن ولاء يتجه من جديد الى حجرة عم محمد, وقررت أن تشفى فضولها بسؤاله
كان الرجل المسن يرقد في فراشه والمسبحة في يده ولسانه يتمتم بالذكر والدعاء
وقفت عند الباب مترددة هل تقدم على سؤاله أم أنه سيعتبر فضولها الزائد نوع من التطفل واقتحام لحياة الآخرين؟
قال الرجل بصوت هادئ : تعالى يا ولاء
تقدمت منه بعد أن منحها صوته الهادئ بعض الشجاعة
قال : أهو موعد دوائي؟
هزت رأسها نفيا, فقال بابتسامة هادئة : اذا, ما الأمر؟
استجمعت شجاعتها بسرعة وقالت مباشرة : الحقيقة أنك عندما كنت في غرفة الرعاية الفائقة وكنت أنا في نوبتي الليلية هناك, أثار فضولي بقوة أنك كنت تردد اسم فاطمة باستمرار, وتطلب منها أن تسامحك وتسامحه
شرد الشيخ قليلا وخبت ابتسامته, فترددت ولاء من جديد, ولكنها قالت: أعتذر عن فضولي, الزائد, فهو عادة قبيحة في لا أستطيع التخلص منها
كل ما أريده أن أعرف ما هي قصة فاطمة ومن هذا الغريق الذي بيدها انقاذه؟
قال بدهشة : أيهمك الأمر لهذه الدرجة؟
قالت بانفعال : أكثر مما تتوقع, فأنا كاتبة قصص, وأحب أن أستفيد من خبرات وتجارب الآخرين, ولا أفضل من شخصيات حقيقية تكون لي إلهاما وحافزا لكتابة قصة جديدة, ولا تقلق, فكل قصصي أكتبها بأسماء غير حقيقية
قال باسما : ليس هناك ما أخجل منه أو أخفيه يا ابنتي, فكما تقول فاطمة (الأشج هو فقط من يحك رأسه باستمرار)
خطفت أحد المقاعد الخفيفة وقربته الى سريره, وجلست بسرعة وعينيها تلمعان بحماس : اذا فلا مانع لديك من أن تحكي لي؟
قال باسما : لا , لا مانع من أن أحكي لشخصية لطيفة مثلك
وبدأ الجد يحكي
..........................................
يتبع.......

إرسال تعليق